مجزوءة الطبيعة والثقافة
المحور الرابع: تعدد الثقافات واختلافها
تأطير إشكالي:
إن ما يميز النوع البشري، هو التعدد، سواء تعلق الأمر بعرقه، أو
بثقافته (لغته، دينه، نمط عيشه…)، وهذا التعدد ليس سمة مميزة للحضارات والشعوب
والأمم فحسب، بل هي سمة يتميز بها المجتمع الواحد، والثقافة الواحدة أيضا، غير أن
الإقرار بالتعدد، قد يلغي القول بالأصل أو الهوية الواحدة، كما قد يلغي التفاضل
بين الثقافات والاعتقاد في سمو ثقافة على أخرى، وهذا ما يدفعنا إلى طرح الأسئلة
التالية:
- هل هناك ثقافة كونية واحدة؟ أم هناك ثقافات متعددة؟
- وإن كانت متعددة، فهل العلاقة بينها، علاقة صراع؟
أم تعايش؟
1. أتعرف تعدد الثقافات وكونية الثقافة
الاشتغال على نص إدغار
موران
أفكار النص:
الفقرة
الأولى: "من بداية النص ... إلى: من آفاق أخرى"
يبرز صاحب النص أن ما يميز الثقافات
الوحدة والتنوع في الآن نفسه؛ إذ إن كل ثقافة تحافظ على خصوصيتها وعلى هويتها. بيد
أن هذا لا يعني أنها تبقى سجينة تلك الخصوصية وحبيستها، بل تنفتح على غيرها من
الثقافات الأخرى.
الفقرة الثانية: " من: وكل ربط بين ثقافتين ... إلى آخر
النص"
يعتبر صاحب النص أن انفتاح الثقافات
على بعضها يؤدي إلى إغناء تلك الثقافات. مبرزا أن الانفتاح الثقافي يشكل أحد أغلى
كنوز البشرية.
إشكال النص:
هل من شان التنوع والانفتاح الثقافي أن
يؤدي إلى زوال ثقافات بعينها، أم أنه على النقيض من ذلك، ينتج عنه إغناء تلك الثقافات
وتطويرها؟
أطروحة النص:
يرى "إدغار موران"، أن
الأصل في الثقافات التنوع والاختلاف؛ تنوع لا يعني أن كل ثقافة منغلقة على نفسها
وحبيسة أفكارها وتقاليدها وعاداتها. بقدر ما يفيد انفتاحها وإفادتها من عادات
وتقاليد وأفكار ثقافات الشعوب الأمم الأخرى المخالفة لها. بل يذهب إلى حد اعتبار
التنوع الثقافي أحد أغلى كنوز البشرية؛ إذ إنه يؤدي إلى إغنائها وتطويرها، بل
وظهور أشكال ثقافية جديدة.
البنية
المفاهيمية للنص:
الثقافة: مجموع
المظاهر الفكرية لحضارة بعينها، وللحياة في مجتمع ما. من: معارف ومعتقدات وفنون
وأخلاق وكذا أعراف... وغيرها من العادات والمقدرات التي يكتسبها الإنسان بوصفه
عضوا في مجتمع.
الهوية: هي
علامة ما هو متماه، أي ما هو هو نفسه ولا يقبل نقيضه (وفق التحديد المنطقي
الأرسطي). وقد وردت في هذا النص بمعنى: ما يشكل الخصوصية المميزة لفرد أو لجماعة
ما. وهي تقوم على أساس الانتماء إلى ثوابت ومعطيات ذات طبيعة عرقية أو دينية أو
لغوية... بيد أن هذا لا يفيد أنها حبيسة هذا الانتماء ومغلقة وجامدة، وإنما هي على
النقيض من ذلك، عرضة للتبدل والتحول ومواكبة التطور؛ وإلا لما كتب لها الاستمرار.
البنية الحجاجية
للنص:
اعتمد صاحب النص مجموعة من
الأساليب الحجاجية، لدعم موقفه نذكر منها بالأساس ما يلي:
أسلوب التأكيد: ويتجلى ذلك في قوله: " إن ازدواجية وحدة/ تنوع
الثقافات ازدواجية أساسية...". وذلك قصد التأكيد على أن ما يسم الثقافة
الوحدة والتنوع في الآن نفسه.
أسلوب الاستدراك: وهذا ما يمثله قوله: " وقد تعطي الثقافة ...
ولكنها في الواقع تظل مفتوحة...". وذلك بغية إبراز أن الثقافة وإن كانت تبدو
منغلقة، فإن هذا لا يعني أنها لا تنفتح على غيرها من الثقافات.
أسلوب التفسير: من خلال قوله: " إذ إنها تدمج داخلها ليس فقط
المعارف ... والأفراد الآتين من آفاق أخرى ". لإبراز ما يمكن للثقافات
أن تستفيده من انفتاحها على بعضها.
أسلوب المثال: وهذا ما يمثله قوله: " ... كتلك التي أعطت
الفلامنكو وموسيقى أمريكا اللاتينية..." . وذلك لإعطاء بعض الأمثلة على صحة
قوله بخصوص فوائد الانفتاح الثقافي ( إغناء ثقافات العالم).
2. أتعرف صراع الثقافات وتعايشها
◄ الاشتغال على نص صامويل
هاتنغتون
أفكار النص:
الفقرة الأولى: "من بداية
النص ... إلى عندما ندرك ضد من نحن"
يبرز صاحب النص أن ما من أمة أو ما من
شعب، إلا ويتميز بمجموعة من الخصائص
الثقافية (عرقية، دينية...) هي
المحددة ل: "أناه"، أو بالأحرى لهويته الثقافية.
الفقرة الثانية: "من: إن الدول –
الأمم ... إلى آخر النص"
يرى صاحب النص أن ما يميز العالم
الجديد، هو أن العامل الحاسم في الصراع بين الدول والأمم،
أو بالأحرى الدول – الأمم، هو الاختلاف الحضاري والثقافي. ليس هذا فحسب بل إنك تجد
لهذا الأمر امتدادا داخل نفس الحضارة.
إشكال النص:
إذا كانت الهوية الثقافية هي
المحدد لكل شعب أو دولة أو أمة، فهل من شأنها تحقيق التعايش بين مختلف الشعوب
والأمم، أم أنها على العكس من ذلك هي مصدر الصراع والنزاع بينها؟
أطروحة النص:
يقول "صموئيل
هنتيجتون" بأطروحة مفادها، أن الأصل في العلاقة بين الشعوب والأمم - خاصة في
عصرنا هذا- هو الصراع الحاصل عن الاختلاف الحضاري والثقافي.
البنية
المفاهيمية:
الأعراق:
ج: عرق. وهو مجموع الصفات والخصائص والسمات الوراثية المشتركة بين مجموعة ما
(بشرية أو حيوانية...) داخل نوع ما. والتي بفضلها يتميز كل عرق عن غيره. كأن نقول
عرق أبيض أو عرق أسود...
الحضارة: لغة معناها: الإقامة في الحضر، بخلاف
البداوة، وهي ا/لإقامة في البوادي. وبهذا يمكننا القول بأن الحضارة هي مقابل
الوحشية والبربرية. وللحضارة عند المحدثين معنيان: أحدهما موضوعي مشخص والآخر ذاتي
مجرد.
المعنى الموضوعي يعني جملة مظاهر
التقدم الأدبي، والفني والعملي والتقني، التي تنتقل من جيل إلى جيل في مجتمع واحد
أو عدة مجتمعات متشابهة
أما المعنى الذاتي المجرد فتطلق على
مرحلة سامية من مراحل التطور الإنساني المقابلة لمرحلة الهمجية والتوحش. أو تطلق
على الصورة الغائية التي تستند إليها في الحكم على صفات كل فرد أو جماعة.
البنية
الحجاجية:
وظف صاحب النص مجموعة من
الأساليب الحجاجية، لجعل موقفه أكثر إقناعا، نذكر منها بالخصوص ما يلي:
أسلوب التأكيد: وذلك من خلال قوله مثلا: " إننا نعرف من نحن ...
عندما ندرك ضد من نحن ". لإبراز أن ما يحدد الهوية الثقافية، أو الأنا هو
الآخر المغاير والمخالف لنا.
أسلوب الإضراب⁕: يتجلى
ذلك في قوله: "... بل ستحدث بين شعوب منتمية لهويات ثقافية مختلفة ".
وذلك ليبين أن الصراعات بين الشعوب والأمم لم تعد نتيجة أسباب أو عوامل
مادية ( بين الطبقات الاجتماعية، أو بين الأغنياء والفقراء...) وإنما بسبب
الاختلافات الثقافية والحضارية.
⁕ الإضراب معناه الإعراض عن الشيء
بعد الإقبال عليه. والفرق بينه وبين الاستدراك أن
معناه الإبطال لما قبله، والاستدراك معناه ليس الإبطال لما قبله وإنما دفع التوهم
الناشئ منه. وقد يكون الإضراب بمعنى الانتقال من غرض إلى آخر.
تعليقات
إرسال تعليق