القائمة الرئيسية

الصفحات

مجزوءة الوضع البشري: مفهوم الشخص


مجزوءة الوضع البشري

تقديم عام: 

عادة ما يتصور البعض أن "الإنسان-الذات"، وحدة تتمتع باستقلال كلي أو شبه كلي عما يحيط بها من أشياء وكائنات، ومرد ذلك إلى كونهم ينظرون إليه من خلال معطاه البيولوجي فقط، متناسين في ذلك أن هناك معطيات أخرى تتدخل في تحديد ماهية الكائن الإنساني، فهذا الأخير ليس وحدة بيولوجية فحسب، ولا حتى اجتماعية، وإنما هو "كل مركب"، تتداخل فيه جملة من المحددات، تشكل في الأخير ما تواضع المفكرون على تسميته بـ: "الوضع البشري" Statut humain.

هكذا فالوضع البشري هو ما يحصر الذات الإنسانية ويحددها في مختلف مستويات الوجود.  إنه وضع يتميز بالازدواجية: فالإنسان إذ يوجد في هذا العالم، يعيش مع الآخرين ويدخل في علاقات عمل وانتماء، ويخضع لقيود يضعها المجتمع، وهو قبل كل ذلك، كائن هش معرض للمرض ومهدد في كل لحظة أن يفقد هذا الوجود ذاته، رغما عنه وبدون إرادته، لكن هذا الإنسان الذي لا يستطيع التخلص من وضعه المشروط بسلسلة من الضرورات، هو الكائن الوحيد الذي يستطيع الابتعاد عن وضعه البشري وأن يختار نمط وجوده في هذا العالم، بفضل الوعي والتفكير. وهذا التباعد والتعالي للإنسان على وضعه البشري لا يتم بفضل الوعي وتطوير قدراته الفكرية فقط، ولكن كذلك - وأساسا- بفضل علاقاته الاجتماعية. فالإنسان ليس فردا يعيش معزولا عن الآخرين، بل لا يدرك وجوده هذا إلا بالمشاركة والتعايش داخل المجموعة البشرية التي بفضلها يقبل وجوده النسبي وينفتح على الكون، مهما كان تمن ذلك غاليا.

يتحدد وجود الإنسان إذن من زاويتين، موضوعية وذاتية، فالوضع البشري - لا الطبيعة الإنسانية- هو ما يشكل الكوني في الإنسان. وهذا الوضع، فيما يرى سارتر، هو مجموعة من الحدود القبلية التي ترسم الوضعية الأساسية للإنسان. فالأوضاع التاريخية تتباين، والإنسان يمكن أن يولد حرا أو مقيدا، كما في بعض المجتمعات القديمة، عاملا أو فلاحا، لكن ما لا يتغير بالنسبة إليه هو ضرورة أن يوجد في العالم، وسط الآخرين ويكون فانيا.

أما على المستوى الذاتي، فإن كل واحد يحاول، بوصفه شخصا، وبواسطة مشروعه الذي اختاره بصفته شخصا أخلاقيا وحقوقيا، أن يتحمل الحدود المفروضة عليه، إما برفضها أو قبولها أو تجاوزها، الأمر الذي يؤسس علاقة تفاعل بين الذوات، وبالتالي يكون تفهم الغير ممكنا، بل أكثر من ذلك يصبح الإنسان فاعلا تاريخيا، يعطي للأحداث المعنى الذي يريده.

 إن الحديث عن الوضع البشري، يجعلنا نخلص إلى أن الإنسان كائن متعدد الأبعاد: فهو ذات مفردة تنمو وتتطور من خلال احتكاكها بالعالم الخارجي، وتفاعلها مع ذوات أخرى تتقاسم معهم هذا الوجود. فهي تمتلك ملامح نفسية ووجدانية وذهنية خاصة وتحكمها بنية نفسية وتمتلك الوعي والفكر مما يجعلها تعي ذاتها ووضعها وتمتلك الحرية والإرادة.

 بحيث تستطيع أن تجابه وضعها وأن تتعالى عليه وقادرة على تجاوز الضرورات التي يفرضها عليها. ولا يتحقق لها ذلك لمجرد كونها ذات واعية مفكرة مسؤولة أخلاقيا وقانونيا وتمتلك الحرية والإرادة بل يتحقق لها ذلك بفعل تفاعلها مع الغير ومن خلال العلاقات التي تنسجها معه فوعيها لا يكتمل إلا من خلال اعتراف الغير بها فوجود الذات يقتضي وجود الغير الذي يقتسم معه الوسط الاجتماعي الثقافي ويعيش معه في مجتمع تحكمه مؤسسات ويخضع لسيرورة تاريخية.

وهكذا يحيلنا الحديث عن الوضع البشري على مجموعة من التساؤلات منها:

ما هو الشخص؟ وما هي طبيعته؟ وكيف تتحدد هويته؟ من أين يستمد الشخص قيمته؟ إلى أي حد يمتلك الحرية والإرادة ويستطيع تجاوز أوضاعه وشروط وجوده؟ هل وجود هذا الغير ضروري لوجود الذات؟ أم أن وجوده يشكل تهديدا لهذه الأخيرة؟ هل يمكن معرفة الغير، أم أن معرفته مستحيلة؟ ما هي طبيعة العلاقة مع الغير؟ هل هي علاقة صداقة وتفاهم، أم علاقة تنافر وصراع وتصادم؟ 

********************

مفهوم الشخص

تقديم:

يحيل مفهوم الشخص على الذات الواعية و المفكرة والمسؤولة والحرة ؛ ويمكن تميزه عن مفهومی «الفرد» و«الشخصية»؛ إذ بالرغم من اطلاقهما معا للدلالة على الإنسان، فإنهما لا يعنيان ما يعنيه الشخص، نظرا لأن الفرد يحيل على الذات بما هي وحدة بيولوجية؛ أو مجرد عينة للنوع، وأن الشخصية، تطلق بدورها للدلالة عما يميز کيانا نفسيا عن آخر؛ على خلاف ذلك، يحيل مفهوم الشخص على ما هو مشترك وعام بين الجنس ككل ؛ لهذا السبب يصح القول بأن لكل واحد شخصيته، في حين لنا جميعا نفس الشخص. على هذا الأساس، يظهر أن المعالجة الفلسفية لمفهوم الشخص لا ترمي إلى تبيان ما يخص ذاتا عن أخرى بالنظر إلى محدداتها الاجتماعية والاقتصادية والسيكولوجية والدينية واللغوية...؛ وإنما إلى تبيان الحدود المشتركة بين الذوات، والتأكيد على أنها أقوى بكثير مما يشكل عناصر تمایز و اختلاف بينها.

إن مفهوم الشخص تتجاذبه مفارقات عديدة، فهوية الشخص تقوم من جهة على الوحدة، ومن جهة ثانية على التعدد والاختلاف ؛ حيث إن الشخص يولد حاملا لماهية محددة، لكنه ما أن يندمج في المجتمع حتى يبدأ في استدخال معطيات كثيرة، تنعكس بشكل واضح على هويته، فهو إذن ليس نتاجا لما هو طبیعی فقط، بل لما هو إجتماعی كذلك. وإلى جانب ذلك وانطلاقا أن للشخص مدلولا أخلاقيا ومعنويا، فقد صار من الضروري النظر في قيمته ومصدرها؛ فقد ينظر إليه كغاية في ذاته لا ينبغي أن يسموا عليه شييء معين، لكنه رغم ذلك لا يسلم من النظرة الدونية والتي تجعله في الأخير مجرد وسيلة لتحقيق غايات أسمى منه. إضافة إلى ذلك فالشخص يراوح الخطى بين الحرية والاكراه، فهو حر في اختياراته، وإلى جانب ذلك فهو مقيد بجملة من الضرورات والاشراطات القيمية والاجتماعية والاخلاقية.

على ضوء هذه المفارقات، تتحدد الإشكالات الفلسفية لمفهوم الشخص والتي يمكن صوغها في التساؤلات الآتية :

1. على أي أساس تقوم هوية الشخص، هل على أساس الوحدة و الثبات أم على التعدد والاختلاف ؟

2. من أين يستمد الشخص قيمته؟ هل من ذاته أم غير؟

3. هل الشخص حر في اختياراته وقناعاته، أم أنه خاضع لمجموعة من الضرورات و الحتميات؟ 

***********************

المحور1: الشخص والهوية

تأطير إشكالي للمحور

إن الإنسان وهو يعبر عن ذاته بلفظ "أنا" ، فإنه يعبر عن وعيه بذاته وبهويته الشخصية، وبوصفه شخصا قائما بذاته، مما يحيل على تجربته الذاتية الداخلية، ويدل على مايميز شخصا عن آخر، أي ذاك الأنا الذي يظل هو هو رغم اختلاف الظروف والأوضاع، ومن ثمة فالشخص يتوفر على هوية خاصة قد يستقيها من فكره أو من إدراكاته الحسية أو من ذاكرته، ذلك أن الفلاسفة والمفكرون عندما قاربوا وفكروا في قضية "هوية الشخص" وجدوا أن لها ارتباطا بأحد أو بعض المقومات الجوهرية المحددة للذات الإنسانية من قبيل: الوعي، الشعور، الإرادة، الذاكرة… ، وفي هذا الإطار طُرح إشكال الأساس الجوهري الذي تقوم عليه هذه الهوية، وتم التساؤل عن طبيعة هوية الشخص إذا ما كانت تظل ثابتة أم أنها متغيرة. يقودنا كل هذا إلى معالجة الإشكال الفلسفي لهوية الشخص في ضوء التساؤلات التالية:

ما دلالة مفهومي “الشخص" و"الهوية" ؟ وما الأساس الذي تقوم عليه هوية الشخص؟ هل تقوم على الفكر والعقل، أم على الإحساسات والذاكرة أم على وحدة الطبع وترابط الذكريات؟ وهل الهوية الشخصية ثابتة أم متغيرة؟

الوضعية المشكلة

"تذكر دائما ما سأقوله: أنت تلعب على الخشبة الدور الذي اختاره المخرج -وقد يقصر أو يطول- حسب ما يريده هو. فإذا كان يريد أن تقوم بدور المتسول، فيجب أن تلعب هذا الدور على الوجه الأكمل؛ كما يلزم الشيء نفسه إذا تعلق الأمر بدور الأعرج أو رجل السياسة، لأن عملك ينحصر في لعب الدور الذي حدد لك". 

Epictète, Manuel, trad. R. Létoquart, éd. Hatier 1988, p.59. 

يتبين من هذه القولة أن دور الشخص محدد سلفا من طرف مخرج ما، وقد يتخذ هذا المخرج صيغة بنية نفسية أو اجتماعية أو اقتصادية، أو عبارة عن ظروف قاهرة وإكراهات يخضع لها الشخص. بحيث يصبح هذا الشخص عبارة عن كائن مبرمج، إذ يجد نفسه مجبرا على القيام بأفعال وسلوكات مملاة عليه من طرف قوة خارجة عن إرادته، وهذا ما يفضي إلى فقدان هذا الشخص هويته وقيمته وحريته، والتي بدونها ستنتفي جميع أبعاده الإنسانية. لكن رغم ذلك فالإنسان يرفض الاستسلام لواقعه، ويفكر في تجاوزه. فما السبيل إلى تجاوز هذه الشروط والإكراهات لكي يحقق الشخص هويته ويستعيد فيمته ويمارس حريته؟ 

******************

موقف روني ديكارت  النص ص 12



أفكار النص:

-تعريف الإنسان بكونه ذاتا مفكرة تقوم بمجموعة من العمليات العقلية كالشك والفهم والتصور والتخيل...

-التأكيد على أن الفكر شرط الوجود.

-التأكيد على مرافقة الفكر للذات في كل حالاتها بما في ذلك حالة النوم.

-تفسير كيف أن الأفعال العقلية لا تنفصل عن الذات المفكرة.

إشكال النص:

ما هو الشخص؟ أو ما هو الإنسان؟ وما الذي يجعل الإنسان إنسانا وبالتالي يحدد هويته؟

أطروحة النص:

يعتقد ديكارت أن الشخص ذات مفكرة، وبالتالي فهويته تتحدد على أساس الفكر باعتباره الشيء الوحيد الذي لا يمكن الشك فيه. فهو يؤكد على أن ماهية الإنسان مرتبطة بكونه ذاتا مفكرة، وأن التفكير، الذي يتمثل في الأفعال العقلية الخالصة التي لا تنفصل عن الذات، هو أساس هوية الإنسان، فالإنسان لا يكون إنسانا إلا من حيث كونه مفكرا.

مفاهيم أساسية:

الأنا: الإنسان أو الشخص باعتباره ذاتا لها صفات خاصة ومميزة لها.

الشيء المفكر: الذات المفكرة القادرة على القيام بالأفعال والسلوكات العقلية كالشك والفهم والتصور...

موجود: له وجود حقيقي لا يمكن إنكاره أو الشك فيه.

موقف ديكارت بخصوص الهوية الشخصية

لفهم موقف ديكارت بخصوص الهوية الشخصية لا بد من الرجوع إلى كتابه الشهير " التأملات الميتافزيقية " حيث نستنتج أنه يؤكد على أن أساس هوية الشخص هو الفكر لأنه هو الشيء الوحيد الذي لا يقبل الشك. وبالتالي يكون الفكر هو الشيء الوحيد الذي يظل ثابتا ويصلح كأساس تقوم عليه الهوية الشخصية. فمن خلال هذا الكتاب أي "التأملات الميتافزيقية " يؤسس ديكارت موقفه من خلال منهجه الشكي أو شكه المنهجي، وهكذا نجده في كتابه، وفي التأمل الأول يتناول مبررات الشك المتمثلة في خداع الحواس وخطأ العقل.. فما دامت الحواس تخدع (تجربة السراب، الحلم، تقاطع السماء والبحر ظاهريا...) والعقل يخطيء (عمليات حسابية بسيطة مثلا) فمن الواجب ممارسة الشك المنهجي بهدف الوصول إلى يقين أول يعتبر أرضية صلبة يؤسس عليها ما عداها... وعندما نشك في كل شيء نجد أن هنالك شيئا واحدا لا يمكن الشك فيه وهو الشك ذاته، ويمكن إثبات الشك اعتمادا على الحدس والبداهة، وما دام الشك تفكيرا، فإن ما يثبت من خلال عملية الشك هو الفكر. وهذا مضمون التأمل الثاني: إثبات هوية الأنا المفكر، من خلال الكوجيطو "أنا أفكر إذن أنا موجود"... حيث يبدو جوهر الإنسان هو الفكر، أي أن هويته تتحدد من خلال الأفعال الفكرية الخالصة والمجردة عن كل إحساس كالشك والفهم والتصور... وهي أفعال لا تنفصل عن الهوية الإنسانية، بل هي أساس وجود الإنسان وهويته، فالإنسان يوجد مادام يفكر، وإذا توقف عن التفكير توقف عن الوجود… إن الإنسان إذن ذات مفكرة، لكن التفكير هنا هو الفكر الخالص الذي يكون مجردا وقاطعا للصلة مع التجربة الحسية.

**************************

موقف جون لوك   النص ص 13



إشكال النص:

ما الذي يجعل الشخص مطابقا لذاته دائما؟ وما الذي يجعله يحس أنه نفسه في مختلف الأزمنة والأمكنة؟ وأين تكمن هويته الشخصية؟

أطروحة النص:

ما الذي يحدد هوية الشخص، ويجعله مطابقا لذاته ويحس أنه نفسه في مختلف الأزمة والأمكنة، هو الوعي المصاحب دوما لأفعاله. وحينما يمتد هذا الوعي في الماضي يصبح ذاكرة، مما يجعل الذاكرة أيضا محددا أساسيا للهوية الشخصية.

مفاهيم النص:

-الشخص: هو كائن مفكر وواع وذكي، وله القدرة على العودة إلى ذاته؛ أي أنه يتأملها ويفكر فيها ويعيها.

-العلاقة بين مفهومي التفكير والإحساس:

 إنها علاقة ترابط ذلك أن التفكير لا يتم بدون الاعتماد على الإحساس، فالحواس هي مصدر كل الأفكار الموجودة في العقل، أو كما قال جون لوك: "العقل صفحة بيضاء، والتجربة هي التي تمده بالمعارف والأفكار". وحيث أن الوعي نوع من التفكير، فهو أيضا ذو مصدر حسي ومرتبط بالحواس.

-الهوية الشخصية: هي ما يجعل الشخص مطابقا لذاته ومتميزا عن غيره.

-العلاقة بين الوعي والهوية: الوعي المرافق باستمرار لأفعال الشخص وإدراكاته الحسية هو ما يجعله يحس أنه هو هو، وأنه الشخص نفسه في أزمنة وأمكنة مختلفة. وهذا يعني أن مثل هذا الوعي هو الذي يمنح للشخص الإحساس بهويته.

-الأنا/الذاتليست جوهرا مستقلا بذاته بل هي مرتبطة بالإحساس، وبما يصدر عن الشخص من أنشطة عقلية باستمرار. مصدر الإحساس بوجود الأنا هو ذلك الوعي الذي لا ينفك عن الشخص و يرافقه باستمرار.

-الأفكار الماضيةهي وعي ممتد في الماضي، هو تذكر أحداث جرت في الماضي، واستحضار لها عن طريق الذهن. وبالتالي فالذاكرة هي وعي ممتد في الماضي، يصاحب الشخص ويجعله يتذكر ما حدث له في الماضي. وهذا ما يجعل الذاكرة محددا لهوية الشخص عند جون لوك.

قيمة الأطروحة وحدودها

قيمتها:  تكمن قيمة هذا التصور الفلسفي الذي جاء به جون لوك في كونه تجاوز التصور العقلاني الذي حصر الهوية في عنصر الوعي، فأسس جون لوك الهوية على الشعور والذاكرة، فالقيمة الاجتماعية والقانونية لهذا التصور تكمن في مفهوم الذاكرة الذي يجعل الشخص مسؤولا أمام القانون والمجتمع وبالتالي ترسيخ لمفهوم المسؤولية القانونية في الأفعال سواء في الماضي أو الحاضر. ففي معظم الأحيان يكون الشخص واعيا بأفعاله.ويبدو أن الكثير من أفكارنا عن أشياء الواقع هي نتاج لما أخذناه عنها من معلومات عن طريق الحواس. كما أنه بالفعل تعتبر الذاكرة محددا أساسيا لهوية الشخص. 

حدودها:  تكمن في أن هذا التصور قد اختزل الهوية فقط في عنصر الشعور والذاكرة ولم ينفتح على محددات أخرى للوجود الانساني، أضف الى ذلك أن الشعور يمكن أن يكون متغيرا وأن الذاكرة معرضة للمرض والشيخوخة والضعف، وأن الحواس خادعة، ولذلك فليست هي العنصر الذي يلازم الشخص دوما. وبالتالي يمكن اعتبارها ليست محددا لهوية الشخص، وعلينا البحث عن عنصر آخر يظل ثابتا لدى الشخص في جميع الأحوال، وهو الذي من شأنه أن يكون أساسا لهوية الشخص.

هناك أفكار عقلية خالصة، هي من نتاج العقل الخالص، كالأفكار الرياضية والمنطقية والميتافزيقية، مما يصعب معه إرجاع كل أفكارنا إلى مصدرها الحسي كما يزعم ذلك جون لوك وأنصار النزعة التجريبية عموما.

*********************

الاشتغال على نص إيمانويل مونيي ص 14  (وفق منهجية الكتابة الفلسفية )

مطلب الفهم

حظي موضوع الوضع البشري منذ القديم باهتمام عميق وكبير من طرف الفلاسفة والعلماء، وأفرز التفكير فيه تصورات ومواقف ونظريات متباينة ومختلفة باختلاف المذاهب الفلسفية والمشارب الفكرية. وتتمثل السمة المميزة لهذا الوجود الإنساني في كونه وجود إشكالي معقد ومركب تتداخل فيه عدة أبعاد أبرزها: البعد الذاتي، البعد التفاعلي والبعد التاريخي. وينقلنا البعد الأول إلى الحديث عن الإنسان كذات مفكرة وعاقلة وحرة ومسؤولة، أي كشخص له قيمة وهوية، هذه الأخيرة التي تعرف بأنها الأساس الجوهري والثابت الذي يجعل الشخص هوهو رغم ما يطرأ عليه من تغيرات عبر الزمان. فما الشخص إذن؟ وكيف تتحدد هويته؟ وهل يمكن حصر هوية الشخص في الجسد ؟

مطلب التحليل والمناقشة:

التحليل

ارتباطا بالإشكال السابق، يتضمن النص قيد الاشتغال أطروحة فلسفية مفادها أن الشخص لا يتحدد كموضوع أو شيء يمكن تجزيئه ومعرفة من الخارج، بل هو ذات تتشكل و تتحدد من الداخل بما هو روحي فيها. وهذا معناه أنه على الرغم مما نشكله من معارف عن الشخص من خلال ما يتبدى من علامات وسمات على جسده، باعتبار هذا الأخير كمادة لمعرفة فيزيولوجية( علم وظائف الأعضاء)، وعلى الرغم من معرفتنا لإيديولوجيته أو جنسيته أو انتمائه الثقافي أو الطبقي أو غيرها، فإن ذلك لا يضمن معرفته بشكل حقيقي، وذلك لكون الشخص عبارة عن واقع كلي وشمولي لا يمكن تحديده لا من خلال السيكولوجيا أي علم النفس بوصفه واحدا من العلوم الإنسانية التي تحاول دراسة الإنسان باعتباره موضوعا، أي باعتباره مجرد شيء يفتقد للوعي والإرادة والحرية. وكذلك لا يمكن تحديده من خلال القانون أي المبادئ التي يضعها العلم ويفسر بها الظواهر الإنسانية أو الظواهر الطبيعية، وبالتالي يتمكن من التنبؤ بها والتحكم فيها. ومن هنا نستشف أن صاحب النص يدافع عن حرية الشخص( حرية مشروطة) ولا يقبل التحكم فيه من خلال قوالب وقوانين معينة كما يتم التحكم في الأشياء والموضوعات الطبيعية الأخرى. إن الشخص إذن ذات مفكرة وحرة ومريدة ، ولا يمكن لآلاف الصور المشكلة عنه أن تقول ماهيته وحقيقته، وذلك لسبب واحد ووحيد حسب صاحب النص، وهو أن الشخص لا تتحدد هويته من خلال جسده أو مظهره الخارجي باعتباره مجرد موضوع من موضوعات العالم، وإنما هويته تتحدد من الداخل أي باعتباره روحا. و هذا ما يجعل الشخص عندما يكون حاضرا في كل مكان فهو لا يكون بأي مكان، وهو ما يجعله يتميز كذلك عن كل ما هو موضوع ومجرد شيء كالأشجار والأحجار والكائنات الأخرى.

ولعرض هذه الأفكار وبناء أطروحته والدفاع عنها، وظف صاحب النص مجموعة من الآليات الحجاجية تمثلت أساسا في الدحض،حيث قام بدحض المواقف والنظريات التي تعتبر الشخص مجرد موضوع. و مقابل ذلك أثبت أن الشخص هو واقع كلي وشمولي لا يمكن تجزيئه أو اعتباره مجرد موضوع، ومن أجل إثبات ذلك نجد أن صاحب النص اعتمد كثيرا على أسلوب التأكيد( بل إن الشخص هو...، إن الشخص عبارة عن...، إن الشخص ليس موضوعا....) هذا إلى جانب توظيف آلية المثال( المزاج، الخصائص الوراثية، الأمراض، الأشجار، الحيوانات) وهي أمثلة من أجل الدفاع عن الأطروحة وإقناع القارئ بها، وجعلها أكثر وضوحا.

هذا، وتكمن قيمة هذه الأطروحة التي يدافع عنها صاحب النص في كونها تحاول أن تنأى بالإنسان عن المقاربات التي تسعى إلى موضعته وتشييئه ،أي تجريده من مقوماته الجوهرية التي تجعل منه إنسانا كالتفكير والإرادة والحرية والتلقائية والمسؤولية، كما هو الحال بالنسبة للعلوم الإنسانية (علم الاجتماع وعلم النفس مثلا). وهذا ما حدا بالكاتب إلى اعتبار الشخص ذات تتحدد من الداخل بالروح والفكر وليس من الخارج بالجسد باعتباره مجرد موضوع. لكن أليس من الأفضل أن ننظر إلى الشخص ونحدده باعتباره كلا واحدا لا فرق فيه بين الداخل والخارج؟ أليس الانسان في نهاية المطاف ذات وموضوع، روح وجسد؟

المناقشة

لقد أثمر النقاش الفلسفي لمسألة الهوية الشخصية وجهات نظر متعددة ومختلفة، فإذا كان صاحب النص قد حصر هوية الشخص في البعد الروحي والداخلي للإنسان، فإن الفيلسوف الفرنسي ديكارت يذهب إلى أن ما يحدد هوية الشخص هو....................................................................................................................................... ...............................................................................................................................................................ما بالنسبة للفيلسوف الإنجليزي جون لوك، فيرى أن الشخص هو........................................................................................ .................................................................................................................................................وأن هويته تتحدد بـ.............................................................................................................................................................................

(أتمم المناقشة بعرض المواقف الفلسفية المؤيدة والمعارضة مبرزا نقط الالتقاء والاختلاف بينها ومستعملا لغتك الشخصية).

التركيب

فوق هذا وذاك، تبقى مسألة الهوية الشخصية من القضايا الفلسفية المعقدة التي تتطلب مقاربات ودراسات عميقة ومتعددة، وذلك لكونها قضية ترتبط بالإنسان باعتباره كائن مركب وتتداخل فيه أبعاد عدة( بيولوجية، عقلية، نفسية، اجتماعية، أخلاقية، قانونية....الخ). وعليه يمكن القول إن هوية الشخص لا تتوقف على عنصر واحد من العناصر السالفة الذكر(الروح، العقل، الإحساس، الذاكرة، الإرادة)، بل ينبغي أن تكون هوية مركبة وتفاعلية تتظافر وتستحضر فيها كل العناصر والأبعاد السابقة، وبهذا يمكن دراسة الشخص ككل وكبنية والارتقاء به وتمييزه عن الكائنات الأخرى بوصفه شخصا ذو قيمة. فمن أين يستمد الشخص قيمته إذن؟ هل من كونه غاية في ذاته أم من خلال اعتباره مجرد وسيلة لغيره؟



*************************

المحور 2: الشخص بوصفه قيمة
تأطير إشكالي
إن الشخص بما هو ذات عاقلة وواعية وقادرة على التمييز بين الخير والشر وقادرة على تحمل مسؤولية أفعالها واختياراتها، لا يتوفر على هوية يستقيها من فكره وعملياته العقلية ومن إحساساته وأفعاله فقط، بل الشخص كذلك يكتسي قيمة داخل هذا الوجود، والمقصود بالقيمة كل ما يعلي من شأن الشخص ويجعله يحتل مكانة مميزة داخل المجتمع الذي ينتمي إليه. لكن المفارقة التي تطرح نفسها أمامنا هي على الرغم من تساوي الأشخاص في امتلاكهم لملكة العقل، والذي بمقتضاه ينبغي أن يكون الأشخاص متساوون مع بعضهم البعض من حيث القيمة، إلا أننا نلاحظ العكس، بحيث ما يسود  وعلى مر التاريخ هو التمييز بشتى أنواعه بين الناس والأشخاص، سواء داخل المجتمع الواحد أو بين المجتمعات، وهو تمييز يمكن أن نلمسه على مستوى الجنس بين الذكر والأنثى، وعلى مستوى اللون بين الأبيض والأسود، ثم على مستوى نظام العيش بين الغني والفقير، وكذلك على مستوى الدين بين المتدين سواء كان مسلما أو مسيحيا أو يهوديا أو غير متدينا…، وبالتالي وبما أن الفلسفة جعلت من الإنسان موضوعها الرئيسي، نجدها قد اهتمت بهذا الإشكال، أي إشكال قيمة الشخص والذي يمكن التعبير عنه بالتساؤلات التالية:     
  – من أين يستمد الشخص قيمته؟
  – هل يستمدها  من امتلاكه للعقل الأخلاقي العملي؟
  – أم يستمد الشخص قيمته من كفاءاته العقلية ومن خلال انفتاحه على الآخرين وامتثاله للقوانين؟

*************************
موقف جون راولز: (النص ص 16)



1. أفكار النص
- يسعى راولز إلى تقديم تصور للشخص ولقيمته ينسجم نظريته في العدالة كإنصاف، وهي عدالة ترتكز على فكرة التعاون القائم بين الأفراد داخل المجتمع من جهة، وعلى إعطاء كل فرد من الامتيازات والحظوة بقدر عطاءاته ومؤهلاته من جهة أخرى. 
- ثم يحيلنا إلى السياق التاريخي لدى اليونان قديما، لكي يؤكد على الفكرة التي مفادها أن الشخص يلعب دورا مهما في المجتمع من خلال اطلاعه بوظيفة اجتماعية ذات تأثير إيجابي في التنمية الاجتماعية والاقتصادية، وكل ذلك يتم في إطار التمتع بحقوقه المشروعة والتزامه بواجباته تجاه مجتمعه.
من هنا يمكن القول مع راولز بأن قيمة الشخص تكمن في انفتاحه على الآخرين، وفي مشاركته الفعالة والنشيطة داخل المجتمع.
- بعد ذلك يذكر راولز أنه يتحدث عن الشخص في سياق الفكر الديمقراطي، وهو ما يحتم النظر إلى الأشخاص ككائنات حرة وتتمتع بالمساواة في الحقوق والواجبات.
وقد ربط راولز بين حرية الشخص وكفاءاته الأخلاقية والعقلية، ذلك أن هذه الكفاءات هي التي تجعله كائنا حرا وعضوا فعالا في المجتمع.
- ويتحدث راولز عن كفاءتين أخلاقيتين يجب أن يتميز بهما الشخص كعضو داخل المجتمع، وهما: 
أ- قدرته على تملك حس للعدالة. 
ب- امتلاكه لتصور معين للخير.
هكذا فتوفر الشخص على حس للعدالة يمكنه من احترام القواعد والقوانين العمومية، أثناء إنجازه لمختلف الأفعال التي يهدف من ورائها إلى التعاون مع أفراد المجتمع في إطار من الندية والإنصاف. 
أما امتلاك الشخص لتصور معين للخير، فيعني تمثله لمجموعة من الغايات التي يسعى إلى تحقيقها، والتي تكتسي قيمة أساسية في حياته الإنسانية سواء في إطار العلاقات الموجودة بين الأشخاص أو تلك القائمة بين مختلف المنظمات والجماعات البشرية.
2- إشكال النص
كيف يتحدد مفهوم الشخص؟ ومن أين يستمد قيمته كشخص؟ هل بالنظر إليه كفرد منعزل، أم كفرد متعاون مشارك في مجتمعه؟ وما الذي يجعل من الأفراد أشخاصا أحرارا وأندادا؟ هل بفضل كفاءاتهم الأخلاقية أم العقلية، أم بهما معا؟
3- أطروحة النص
الشخص هو مواطن حر وعضو فعال داخل المجتمع، فبانفتاحه على الآخرين والتزامه بالأخلاق يكون قد حقق قيمته الشخصية، ومن هنا فقيمته مرتبطة بامتلاكه لكفاءات عقلية وأخلاقية تمكنه من التعاون مع الآخرين والمساهمة في التنمية العامة للمجتمع، في إطار من المسؤولية والالتزام والسعي الدؤوب نحو تحقيق ما هو خير وعادل وله قيمة إيجابية في الحياة الإنسانية. وبما أن تصور الخير يختلف من شخص لآخر، فوجب إذن أن يحدد بالغايات الكبرى للمجتمع حتى لا يكون متضاربا.

********************

موقف كانط: النص ص 17  (منار الفلسفة) 



إشكال النص:
ما المحدد لقيمة الشخص، هل باعتباره ظاهرة طبيعية، أم كائنا عاقلا، أم كائنا عاقلا أخلاقيا؟ هل الشخص وسيلة، أم غاية؟ ما علاقة قيمة الشخص بكرامته؟
أطروحة "كانط"
إن اعتبار الشخص كظاهرة طبيعية أو ككائن عاقل لا يمنحه إلا قيمة مبتذلة. لكن إذا اعتبرناه كائنا عاقلا أخلاقيا فإننا نجده غاية في حد ذاته، حيث يشعر حينئذ بإنسانية جاثمة  في داخله تمنحه كرامة تستوجب منه احترام ذاته وتستوجب من الآخرين احترام هاته الذات، وهذا الاحترام يكون أيضا متبادلا.
إن مجرد وجود شخص يفرض على احترامه بسبب الكرامة التي يتمتع بها، بغض النظر عن مكانته أو طبقته.

 **************************
موقف هيغل : النص ص 18 



إشكال النص
من أين يستمد الشخص قيمته؟ هل من انعزاله أم من انفتاحه على المجتمع وامتثاله للواجبات والقوانين؟
أطروحة النص
يرى هيغـل بأن القيمة الأخلاقية للشخص لا يمكنها أن تتحقق إلا داخل حياة الجماعة وذلك من خلال الامتثال لروح الشعب واحتلال مرتبة معينة. فكل شخص، حسب هيغـل، وانطلاقا من المكانة التي يحتلها داخل الجماعة التي ينتمي إليها، عليه أن يلتزم بواجباته والقيام بدوره والمهام التي أسندت إليه. من خلال وعيه بما يميز المواقف والسلوكات الخيرة الممثلة للقانون، عن المواقف والسلوكات الشريرة الغير الممثلة للقانون والمنافية له. 
إذن هيجل يدعو إلى الانفتاح على الواقع والآخرين، من خلال علاقة جدلية، أساسها التأثير المتبادل، ومعيارها يكمن في السلوك الأخلاقي الذي يصدر عن كل شخص امتثالا للواجب الأخلاقي..

البنية المفاهيمية
قيمة: خاصية تجعل الشيء مرغوبا فيه وتثمنه وتعطيه أهمية، وقد تكون القيمة مادية (مال، لباس، سيارة...)، أو قيمة معنوية (أخلاق)، وهي في النص الأهمية والمرتبة الرفيعة للشخص.
الامتثال: الخضوع والانضباط للقواعد والقوانين.
مرتبة: مكانة اجتماعية محددة بالدور والوظيفة داخل المجموع. 
الواجبات: مقابل الحقوق. الواجب هو الإلزام بالفعل، إنه محتم ومفروض، وتترتب عن عدم احترامه وفعله عقوبات. وهو في النص الواجب الأخلاقي في علاقته بالقانون. 
الحرية: هي غياب العائق والإكراه، إنها إرادة واختيار، وهي في النص حرية يتبعها إلزام بفعل الواجب/ القانون. 
القانون: قواعد مؤسسية مكتوبة أو متعارف عليها ملزمة ومنظمة للمجتمع. 
الحياة المدنية: هي حسب هيغل مجموع المؤسسات الاجتماعية والاقتصادية الساهرة على مصالح المواطن. 



******************************
المحور 3: الشخص بين الضرورة والحرية
التأطير الإشكالي للمحور: 
 لا يستقيم التفكير في الوضع البشري، دون التفكير في مسألتي الضرورة والحرية. فالإنسان من حيث هو ذات مفكرة وواعية، ذات لها هويتها الخاصة وتكتسي قيمة داخل المجتمع الذي تنتمي إليه، نجدها أي الذات تتأرجح بين خضوعها للضرورة من جهة وسعيها للحرية من جهة ثانية. وبالتالي إذا كانت هذه الأخيرة، أي الحرية تشير إلى حالة الكائن الذي لا يعاني إكراها، أي تشير إلى قدرة الشخص على الاختيار والتصرف أو الامتناع وفق إرادته وبعيدا عن كل إكراه كيف ما كان مصدره، فإن الضرورة هي نقيض الحرية، بحيث تعني كل ما يتحكم في الشيء وتحمل معنى الحتمية والجبرية، أي أنها مجموع الشروط القبلية التي تحكم تصرفات وأفعال الكائن، وإذا كان الإنسان متميزا عن غيره من المخلوقات الأخرى بالوعي، بحيث يعرف ذاته ومحيطه. 
فهل الشخص ذات حرة ومريدة أم أنه خاضع للضرورة؟ 
-إذا كان الشخص حرا فهل هو حر حرية مطلقة أم نسبية؟ 
-إذا كان خاضع للضرورة والحتمية فما الضرورات التي تحكمه وتحد من حريته؟

*****************************
موقف سيغموند فرويد: النص ص 20


تأطير النص
يندرج النص في إطار الاهتمامات المختلفة لنظرية التحليل النفسي مع عالم النفس النمساوي فرويد الذي حاول دراسة شخصية الإنسان بصورة مغايرة تعتمد طابع اكثر دقة وعملية، فكيف تعامل فرويد مع هذا الموضوع؟
الطرح الإشكـالي
في هذا النص يحاول فرويد طرح إشكال عام كالتالي: ما هي العناصر الأساسية التي تنبني عليها الشخصية؟ وما هي الصيغة العامة التي من خلالها يمكن تحقيق التوازن؟
المفاهيم الأساسية
اعتمد فرويد على مفاهيم أساسية أهمها:
الأنا / الأنا الأعلى / الهو / اللاشعور / الشخص 
الأطروحة
يرى فرويد في تصوره أن شخصية الإنسان هي عبارة عن صراع دائم بين مجموعة من الغرائز (الهو) والمثل الأخلاقية (الأنا الأعلى) وأيضا ضغوط الواقع الاجتماعي، لذلك فالأنا هو نتاج للتوازن والتوفيق بين هذه القوى مثلما هو أداة تحقيق هذا التوازن والتوفيق، لذلك فوحدة الشخص وحدة دينامية عسيرة ولا متناهية التحقق.

البنية الحجاجية: 
الحجج اللغوية
أسلوب التأكيد: (إن الأنا...).
أسلوب النفي: (ليست...).
أسلوب الاستنتاج: (هكذا...).
الحجج المعرفية
يرى فرويد أن الإنسان دائم الصراع بين عناصر ثلاث ليحقق التوازن ومحاولة التوفيق بينهما.
التأكيد على أن هذا الصراع في غالب الأحيان ما يكون محاصرا بين ضغط الأنا الأعلى من جهة ومطالب الهو والواقع من جهة ثانية.
قيمة الأطروحة:
الإنسان خاضع لضرورات نفسية يفرضها عليه جهازه النفسي المكون من العالم الخارجي- الأنا الأعلى- الهو، يبدو أنه تصور متكامل نظريا، بحيث أنه استطاع سبر أغوار النفس الإنسانية بالاعتماد على التحليل النفسي، فاستطاع بذلك الكشف عن الأسباب الكامنة وراء العديد من الأمراض النفسية، كالهيستيريا والصرع وما إلى غير ذلك من الأمراض… دون اقتراح علاج لهذه الأمراض، على اعتبار أن وظيفة التحليل النفسي تتمثل فقط في مساعدة المريض على الوعي بالأسباب الرئيسية وراء مرضه.
حدود الأطروحة
من الانتقادات التي يمكن أن توجه للتحليل النفسي عموما وفرضية اللاشعور عند سجموند فرويد خصوصا، هو أنه تمادى في التخيلات من خلال إبداعه لأنا آخر داخل نفس كل فرد، أنا له أهواؤه  وميولاته وهو جامح لدرجة أنه لا يمكن التحكم فيه انطلاقا  من الذات الواعية، وبالتالي نكون أمام حيوان مخيف بتعبير آلان(إميل شارتيي) ولا يتمتع بأي شكل من أشكال من الحرية، الأمر الذي يدعونا إلى التساؤل من جديد أليس من المجحف نفي الحرية عن الإنسان؟ ماذا يمكن أن نقول عن تلك الخيارات والقرارات التي يتخذها الإنسان خلال مساره في الحياة؟ ألن يكون إرجاع هذه الخيارات والقارات إلى الجانب اللاواعي في الإنسان تهميش بل حط من قدر ومكانة الإنسان داخل هذا الوجود؟
خلاصة وتركيب
إن أهم ما يمكن أن نحتفظ به من خلال نص سيغموند فرويد هو عنصرين أساسيين:
لا يمكن أن تكون الشخصية سوية بالشكل المطلوب إلا حينما تحاول التوفيق بين أبعاد الشخصية الثلاث.
ثم أن هذه العلاقة حسب فرويد هي علاقة صراع بالدرجة الأولى.

***************************

موقف باروخ اسبينوزا: النص ص 21




تعريف الفيلسوف: باروخ سبينوزا هو فيلسوف هولندي. ولد في 24 نوفمبر 1632 في أمستردام، وتوفي في 21 فبراير 1677 في لاهاي. وهو واحد من بين أبرز فلاسفة القرن17. من أعماله: رسالة في اللاهوت والسياسة (1670)، الأخلاق (1677)
في دلالة المفهومين:
الحرية: نجد في معجم جميل صليبا المعنى التالي للحرية: الحرية خاصية الموجود الخالص من القيود، العامل بإرادته أو طبيعته... وإذا كانت الحرية مضادة للحتمية دلت على حرية الاختيار، وهي القول إن فعل الإنسان متولد من إرادته. إذن فالحرية حالة الكائن الذي لا يعاني إكراها، والذي يتصرف وفقا لمشيئته وإرادته وطبيعته.
لكن يجب التمييز بين دلالة مفهوم الحرية أنطولوجيا (وجوديا)، وسياسيا وأخلاقيا. فالحرية بمعناها الأنطولوجي هي غياب كل إكراه خارجي، أي قدرة الإرادة على الفعل، وتجاوز الضرورات، ولا يحد الحرية بهذا المعنى إلا غياب القدرة على الفعل. لكن في معناها السياسي تدل على التصرف والسلوك وفق ما يسمح به القانون/ وبالتالي تفيد الحرية فعل كل ما لا يمنعه القانون، فهي مرادف للحرية المدنية. أما في معناها الأخلاقي، فهي القدرة على اختيار فعل الخير بدل فعل الشر دون إكراه خارجي.
الضرورة: تفيد الخضوع وغياب الحرية في الفعل، وبالتالي فهي تأتي في مقابل مفهوم الحرية، بحيث تدل على الإكراه، والحتميات والإشراطات التي تجعل من سلوك الشخص سلوكا مفروضا، غير نابع من اختياره أو إرادته. لكن الحتمية تختلف عن الضرورة، فالحتمية لا يمكن أن نتجاوزها، عكس الضرورة التي يمكن تجاوزها. وتأخذ الضرورات عدة أشكال، فهناك الضرورة الطبيعة وهناك الضرورة الاجتماعية والضرورة السيكولوجية.
التأطير الاشكالي للنص:
يعرف الشخص عادة بكونه ذاتا واعية، تعي وتتعقل ذاتها داخل هذا الوجود. إلا أن الشخص لا يتميز فقط بالقدرات العقلية وبخاصيتي الوعي والارادة، وإنما يتميز أيضا بانتمائه لعالم الطبيعة، وأيضا فهو ينتمي إلا وجود اجتماعي باعتباره كائنا اجتماعيا، وهنا نجد أنفسنا أمام إشكال فلسفي، متعلق بقدرة الشخص من عدم قدرته على السلوك بحرية في أفعاله واختياراته، وتجاوز الإشراطات والضرورات التي يمكن أن تحد من حريته. إذن فالشخص باعتباره مفهوما فلسفيا يضعنا أمام تقابل جوهري يمكن صياغته إشكاليا على الشكل التالي: هل الشخص حر أفي أفعاله واختياراته م أنه خاضع للضرورة؟  بتعبير آخر، هل الشخص يستطيع تجاوز الإكراهات الخارجية والسلوك وفق إرادته، أم أن حرية الشخص ما هي إلا جهل بالأسباب؟ وإذا كان الشخص، حرا ففيما تتجسد حريته، هل في قدرته على تجاوز الضرورات مثلا؟  وإن كان خاضعا للضرورة، فهل الضرورة التي يخضع لها هي ضرورة طبيعية أم سيكولوجية أم اجتماعية؟
تحليل النص:
إجابة على التساؤلات والإشكالات الاخيرة، سننطلق من تحليل إحدى الأطروحات الفلسفية، التي تعود إلى الفيلسوف الهولندي باروخ اسبينوزا. ففي كتابه "الإتيقا"، يتبنى اسبينوزا أطروحة مفادها أنه لا وجود لحرية إنسانية، وأن القول بالحرية ما هو إلا جهل بالأسباب. معنى ذلك أن الإنسان خاضع للضرورة، وأن جهل الإنسان لتلك الضرورات التي تدفعه إلى الفعل هو الذي جعله يظن أن حر.  ولتوضيح موقف الفيلسوف يمكن الوقوف عند البناء المافهيمي الحجاجي للنص. 
بخصوص البنية المفاهيمية المؤثثة للأطروحة وللنص عموما، يشكل مفهوم الحرية المفهوم الأساسي والمركزي، وتدل الحرية على غياب كل إكراه خارجي، كما تدل أيضا على قدرة الإرادة على الفعل. وما دام النص ينتقد الحرية الإنسانية، فهو يؤكد على وجود إكراهات تحد من حرية الفعل، بل أكثر من ذلك تغيبها تماما. وهنا لا بد من الوقف عند مفهوم أخر يرتبط بالحرية، ولا يمكن فهم الحرية إلا باستحضاره وهو مفهوم الرغبة والذي يشير إلى كل المجهودات والاندفاعات والشهوات والأفعال الإرادية لدى الإنسان. وبخصوص العلاقة بين مفهوم الحرية ومفهوم الرغبة، فيمكن القول أنه لا يمكن فهم حرية الإنسان إلا في رغباته، وأن الرغبة هي التي يحد من حرية الإنسان، وتوجه إرادته. 
ينطلق صاحب النص من فكرة مفادها أن الأحوال الإنسانية كانت ستكون أفضل لو أن الإنسان هو الذي يقرر متى يتكلم ومتى يصمت، غير أنه ليس صاحب القرار. إضافة إلى ذلك يؤكد صاحب النص أن الواقع أثبت بأن ما يمكن للبشر التحكم فيه هو ألسنتهم، وشهواتهم. زيادة على ذلك يؤكد الفيلسوف على أن الذي يجعل الإنسان يظن بأنه حر هو أنه يسهل كبح رغبتنا اتجاه الأشياء التي نميل إليها باعتدال، أي التي لا ننجذب إليها بقوة، والتي يمكن العدول عنها بمجرد تذكر شيء آخر. وأننا لا يكون أحرارا إطلاقا إزاء الأشياء التي نرغب فيها بشوق شديد. وهنا يقدم صاحب النص دليلا على أننا خاضعين ولسنا أحرارا، وهو أننا ندرك الافضل ونتبع الأسوأ. وأننا نندم على الأفعال التي تصدر عنا، ومفاد ذلك أنه لو كنا أحرارا لاخترنا الأفضل بدل الأسوأ ولما ندمنا على أفعالنا، وهذا دليل على أن هناك ما يدفعنا إلى الفعل ويوجه إرادتنا ويكبح حريتنا. وفي هذا السياق يقدم صاحب النص جملة من الأمثلة ليبين كيف أن القول بالحرية هو قول خاطئ، ومن بين تلك الأمثلة مثال الصبي الذي يعتقد أنه يرغب في الحليب بحريته، ومثال الشاب المنفعل الذي يريد الانتقام، ومثال الجبان الذي يلوذ بالفرار، ليؤكد على أن هؤلاء الأشخاص محكومون بشهواتهم، فالطفل الذي يرغب في الحليب لا يرغب فبه بمحض إرادته وإنما لأن شهوته تدفعه إلى ذلك. لينتهي صاحب النص إلى أن أوامر النفس لا معنى لها خارج الشهوات، بمعنى أن الشخص حين يأمر ذاته فإن ذلك الأمر مرتبط بشهواته لا بحريته.
هكذا يتبين أن الحرية حسب صاحب النص ما هي إلا جهل بالأسباب، وأن الشخص خاضع للضرورات والإكراهات خاصة الطبيعة منها والمتمثلة في الغرائز والشهوات.
مناقشة تصور اسبينوزا:
لا يمكن أن ننكر القيمة الفكرية لهذا التصور الفلسفي، فالإنسان حقا لا يمكنه أن يمارس حريته حين يتعلق الأمر بما هو طبيعي، فالإنسان كما الحيوان مرتبط بطبيعته، بشهواته وغريزيته، وبالتالي لا يمكن تصور حرية الإنسان باعتبارها حرية مطلقة، تتجاوز كل الإشراطات والضرورات. وهذا القول انتقاد للتصورات الماهوية التي جعلت من الحرية ماهية للإنسان وجوهرا له. غير أن القول بخضوع الشخص للضرورات والإشراطات خضوعا مطلقا، يجعل الإنسان في نفس مرتبة باقي الموجودات الأخرى التي تظل هي الأخرى خاضعة للنظام الطبيعي الذي يحدد الفعل ويحكم الظواهر. فهل الشخص حقا غير قادر على السلوك بحرية؟ ألا يمكن للإنسان وفقا لما له من خصائص كالوعي والحرية أن يتجاوز الإكراهات والضرورات؟ ألا يمكن للشخص أن يكون حرا ولو بشكل نسبي؟
لقد تعرضت الأطروحات القائلة بعدم قدرة الإنسان على السلوك والتصرف بحرية للنقد من طرف مجموعة من الفلاسفة، نذكر على سبيل المثال لا الحصر رائد الفلسفة الوجودية، الفيلسوف الفرنسي المعاصر جون بول سارتر، والذي يذهب إلى عكس ما ذهب إليه صاحب النص. فإذا كان صاحب النص يؤكد على خضوع الإنسان، وعلى غياب الحرية. فسارتر يذهب إلى أن الإنسان حر، وإلى أن الحرية هي قدر الإنسان. وينطلق في موقفه هذا من مبدأ وهو الإقرار بأن الوجود يسبق الماهية، بمعنى أن الإنسان يولد أولا ويلاقي ذاته ويبرز إلى العالم، ثم يحدد بعد ذلك ما سيكون. إن الإنسان حسب سارتر غير قابل للتعريف عندما يكون لاشيء، وسيكون ما سيصنعه بنفسه فيما بعد. إن الإنسان في نظر سارتر يشكل ذاته وهويته ويحددها في ضوء ما يختاره لنفسه كمشروع في حدود إمكانياته. وبهذا الموقف يكون سارتر قد انتقد كل دعاة الجبرية والضرورة.  
لكن موقف سارتر يمكن انتقاده كذلك، فإذا كان اسبينوزا يؤكد على الخضوع المطلق، وإذا كان سارتر يرى أن الإنسان حر حرية مطلقة، فهناك من أكد على أن الإنسان لا هو حر حرية مطلقة ولا هو خاضع بشكل مطلق، ويمكن أن نذكر على سبيل المثال لا الحصر الفيلسوف الفرنسي المعاصر "إيمانويل مونييه" رائد الاتجاه الشخصاني. يؤكد إمانويل مونييه أن حرية الإنسان ككل ما هي إلا حرية شخص، وأن الحرية ملازمة للوضع الواقعي ومحصورة في نطاق حدوده، وبهذا فالحرية ليست حرية مطلقة. لذلك وجب أولا القبول بالظروف الأولية، لأنه ليس كل شيء ممكنا، وبعد ذلك البحث عن التحرر من خلال الاختيار والتضحية، وهنا يتضح كيف أن الحرية مرتبطة بالحواجز، فلا يمكن حسب مونييه الحديث عن حرية دون وجود حواجز، حيث يقول: هذه الحدود تشكل قوة عندما لا تكون ضيقة جدا. ولزيادة الإيضاح يمكن الوقف عند بعض المفاهيم المركزية في فلسفة مونييه والتي من بينها نجد مفهوما التحرر والشخصنة. أما بخصوص التحرر، فيعني أن الحرية ليست معطاة إنما هي فعالية، وأما بخصوص الشخصنة فهي عملية يقوم بها الكائن البشري حتى يصل إلى مرحلة الإنسان بالانفتاح على المثل العليا وعلى المجتمع وعلى العالم.
خلاصة تركيبية:
نخلص في الأخير إلى أن الشخص بما هو ذات إنسانية عاقلة وواعية، يخضع إلى مجموعة من الإشراطات والضرورات منها ما هو طبيعي بحكم انتماء الإنسان إلى عالم الطبيعة، ومنها ما هو اجتماعي بحكم كون الإنسان كائنا اجتماعيا، ومنها ما سيكولوجي بحكم كون الإنسان يشكل بنية سيكولوجية، غير أن الشخص يمتلك ما يمكنه من تجاوز كل تلك الضرورات والإشراطات ولو بشكل نسبي، فالشخص كما عرفه جون لوك كائن مفكر وذكي، وخاصية الفكر والوعي تمكن الشخص من التعالي ومن تجاوز وضعه. فالقول بالخضوع المطلق للشخص سيجعله في نفس درجة باقي الموجودات، أكثر من ذلك فالقول بالحرية هو الذي سيجعل الشخص يتحمل مسؤولية أفعاله واختياراته.

*****************************

موقف إيمانويل مونيي: النص ص 22

يندرج هذا النص ضمن تصور يركز على الشخص المندمج في الجماعة، وهو اندماج لا ينبغي أن يؤدي إلى محو ما يميزه، لأن في ذلك حفاظا على ميوله وحريته، التي تعتبر في آخر المطاف، حرية الجميع.
أفكار النص الأساسية:
- إن معنى جماعة هو اندماج لمجموعة من الأشخاص بشكل يضمن ميول كل واحد منهم
- لا ينبغي اعتبار الشخص وسيلة
- إن ما هو روحي يعادل ما هو شخصي
- كل نظام يعتبر الأشخاص أشياء قابلة للتبادل سيعرض للإدانة
- مهمة المجتمع ليست هي جعل الأشخاص تابعين خاضعين بل إن وظيفته تقتصر على ضمان الحماية واللعب وأوقات الفراغ ليتم التعرف على هذه الميولات بكامل حريتهم الروحية.
- المجتمع لا يتحمل عبء تطور ميولات الأشخاص.
- يتدخل المجتمع في تربية الأفراد تربية اقتراحية ، بدون قسر وغير تطابقية.
- يضمن المجتمع منح الأفراد الوسائل المادية الضرورية لتنمية ميولاتهم.
- إن الإنسان هو الذي يقرر مصيره ولا يمكن لأي شخص آخر، فردا كان أو جماعة، أن يقوم مقامه في ذلك.
إشكال النص: 
هل الشخص حر في اختيار ميوله وسلوكه، أم أنه خاضع لإرادة الآخر؟ وبالنظر إلى كون الأشخاص مندمجين في مجتمع منظم، أفلا يمكن أن يتدخل هذا المجتمع في تشكيل وتوجيه ميولاتهم، أم أنه يضمن لهم استقلاليتهم وحريتهم في تقرير مصيرهم؟
أطروحة النص
حسب "إيمانويل مونيي" فإن الشخص روح لا يمكن تشييؤه والنظر إليه كموضوع أو كمادة لذلك لا ينبغي استخدامه كوسيلة، وبالتالي فالأشخاص غير خاضعين للآخر فردا كان أو جماعة.
لذلك، فإن وجود الأشخاص في مجتمع، لا يعني أنهم تابعين وخاضعين له من حيث ميولهم، بل على العكس من ذلك فهم من يختارون ميولاتهم، أم المجتمع فيتولى توفير مختلف الوسائل الضرورية للتعرف على الميول وتنميته.
فالإنسان حر وسيد نفسه، فلا أحد يتولى تقرير مصيره، لأنه هو من يقرره.
تمرين
تحديد أهم المفاهيم الموظفة في النص شرحها وإبراز وظيفتها والعلاقات فيما بينها وصياغتها في شكل بنية مفاهيمية. القيام بنفس الشيء بالنسبة للبنية الحجاجية. 




*****************************************************

تعليقات